الخميس، 4 فبراير 2010

Superbackwardness


Hassan Ajami

We , the Arabs and Muslims , live in a state of superbackwardness. There is a big difference between backwardness and superbackwardness. The backward people are those who do not provide any useful thing to humanity, while the superbackward people are those who develop backwardness through using science , knowledge , and technology in order to promote ignorance . We are superbackward people because we reject science and logic and rely on science to enhance ignorance and inhumanity

For example, each religious sect in the Islamic and Arab world has its own media ( i.e. T.V. channels , internet sites , and newspapers etc ) , schools , and universities. And the main purpose of these institutions is to challenge and defeat the other religious sects. This is how we use science and technology for carrying out our wars against each other and in order to promote ignorance and hatred. Another example of our state of superbackwardness is the following: our modern literature ( spoken or written ) rejects logic and does not rely on any scientific foundation. Our private and public speeches as well as our published articles and books fall in contradictions , circularities , and beg the questions . This clear rejection of logic and science led us to lose our humanity. This is so because humanity lies in the possession of reasonable and logical mind. In simple terms, we lost our minds

In addition, most of our sentences lack any meaningful content. This is so because we build propositions through joining unrelated concepts such as the proposition " the number seven is married ". The main reason behind our failure to develop meaningful speeches is that we reject logic and science. Since we do not follow the principles of logic and scientific reasoning, it is natural that we will fall continuously in uttering meaningless sentences. Furthermore, we use the ideas of famous scientists and philosophers in order to defend and justify our totalitarian regimes and our civil wars. This is a direct consequence of our rejection of logic and objective thinking

In the age of superbackwardness , ignorance became the highest virtue. We are rewarded when we accept and promote ignorance. And we are punished if we speak or act against our state of ignorance. The system of superbackwardness relies on these two mechanisms. The major principle that controls our lives is that ignorance is good and rewarding. This is why we became imprisoned in our thoughts , feelings , and behavior. In fact , we are living in the graves of our grandfathers

الأحد، 24 يناير 2010

السوبر مستقبلية للكاتب حسن عجمي





السوبر مستقبلية للكاتب حسن عجمي

مذهب فلسفي يقدم الحلول للمشاكل الفكرية




بيروت- الوطن – سمير رباح
حسن عجمي كاتب ومفكر معروف له ابحاث كثيرة في مواضيع جديدة هو من وضع قواعدها‚ فهو باحث جاد ومجدد ويسعى الى وضع الفكر والثقافة في خدمة الناس والمجتمع ويدعو الى هدم ما يحول دون ذلك‚ والى تجاوز ما قد تجاوزه الزمن من افكار ومواقف وتقاليد بحثية صارت من الماضي‚واهمية هذا الباحث ايضا انه لا يتوقف عن البحث والتدقيق والمراجعة والكتابة ويكاد لا يمر عام دون ان يصدر له كتاب جديد أو بحث يضاف الى ابحاثه العديدة في الفكر والفلسفة والأدب والتي بدأت تحتل مكانا مرموقا في المكتبة العربية.
أصدر مؤخرا كتابه الجديد «السوبر مستقبلية.. الكون والعقل واللغة» في الوقت الذي ما زال كتابه «السوبر حداثة» موضع اهتمام النقاد وفي وقت لا تزال كتبه «مقام المعرفة» و«وحي اللغة» و«مرايا العقول‚‚ الشعر العلمي»‚ و«معراج المعنى» ومقام الراحلين» تتناقلها ايدي القراء.
«السوبر مستقبلية» مصطلح فلسفي جديد‚ هو موضوع كتابة الجديد الذي حاورناه حوله:
كتابك الجديد «السوبر مستقبلية‚‚ الكون والعقل واللغة» ما هي «السوبر مستقبلية» وما فائدتها؟
- «السوبر مستقبلية» مذهب فلسفي يحلل المفاهيم ويقدم الحلول للمشاكل الفكرية من خلال مفهوم المستقبل‚ السوبر مستقبلية تستخدم مفهوم المستقبل كأداة فكرية من اجل الوصول الى حلول فلسفية مقبولة‚ من هنا السوبر مستقبلية تدرس ما هو موجود في الحاضر وما وجد في الماضي على ضوء المستقبل‚ وبذلك تختلف السوبر مستقبلية عن المستقبلية‚ فبينما تدرس المستقبلية ما قد يحدث في المستقبل من خلال ما يحدث في الحاضر وما حدث في الماضي تقوم السوبر مستقبلية بعكس ذلك فتبحث في مسائل الحاضر والماضي من خلال المستقبل‚ فالمستقبلية تحاول التنبؤ بالاحداث في المستقبل كأن تتنبأ بالتطور المنتظر في المجتمع والعلوم على اساس ما تم تطويره في الماضي والحاضر‚ اما السوبر مستقبلية فتحاول تفسير الظواهر وايضاح المفاهيم اعتمادا على المستقبل وهنا تكمن فائدتها.
سوف تتوضح فكرة السوبر مستقبلية اذا قدمنا بعض الامثلة‚ كيف اذن يتم تطبيقها الفلسفي؟
- للسوبر مستقبلية تطبيقات عدة حاولت القيام بها في الفصول المختلفة من الكتاب‚ وسأورد مثلا يرينا مدى نجاح السوبر مستقبلية كآلية فكرية صالحة لحل المشاكل الفلسفية‚ تعلم ان الاعداد الرياضية غير متناهية فمثلا بعد كل عدد يوجد عدد آخر اكبر منه لكن الاعداد اللامتناهية غير قائمة على الورق لأننا لا نستطيع كتابتها كلها كونها لا متناهية والاعداد اللامتناهية غير موجودة في العقل كونها لامتناهية وبذلك يستحيل عدها في العقل‚ اما اذا وضعنا الاعداد اللامتناهية في عالم آخر منفصل عن عالمنا الواقعي فسنواجه مشكلة ارتباط ذاك العالم الآخر بعالمنا وكيفية تمكننا من معرفة الاعداد علما بأننا افترضنا وجودها في عالم آخر مختلف عن عالمنا‚ من هنا توجد مشكلة اساسية في فلسفة الرياضيات الا وهي اين توجد الاعداد اللامتناهية‚للسوبر مستقبلية حلها الخاص فهي تقول ان الاعداد اللامتناهية موجودة في المستقبل فقط‚ فبما ان المستقبل لا متناه والاعداد لامتناهية اذن من الممكن للاعداد اللامتناهية ان توجد في المستقبل‚ وبما ان المستقبل مرتبط بحاضرنا وماضينا بحيث يصبح المستقبل حاضرا فماضيا تدريجيا وبما ان الاعداد قائمة في المستقبل‚ إذن ترتبط الاعداد بحاضرنا وماضينا‚ وبذلك من الممكن معرفتها هكذا تحل السوبر حداثة مستقبلية مشكلة اين توجد الاعداد ومشكلة امكانية معرفتها مما يدعو الى قبولها.
لقد تنوعت فصول «السوبر مستقبلية» حيث تناولت مسائل الكون والعقل واللغة كيف تنظر السوبر مستقبلية الى هذه المواضيع المختلفة؟
- تدرس السوبر مستقبلية هذه المواضيع المختلفة من خلال مفهوم المستقبل‚ بالنسبة الى السوبر مستقبلية ماهيات الاشياء تتشكل وتحدد في المستقبل فقط‚ اذا نظرنا الى أي شيء سنجده يفقد صفاته ويكتسب صفات أخرى بذلك لا توجد ماهية له في الحاضر والماضي‚ لكن من جهة أ خرى لابد من وجود ماهيات للاشياء والا لن تختلف عن بعضها بعضا‚ من هنا يبقى الخيار الوحيد ألا وهو ان ماهيات الاشياء قائمة في المستقبل فقط‚ وبما انها موجودة في المستقبل فقط اذن من الطبيعي ان تتغير الاشياء بشكل مستمر هكذا تفسر السوبر مستقبلية لماذا الاشياء في تغير دائم من المنطلق ذاته وبما ان الماهيات كامنة في المستقبل وغير محققة في الحاضر والماضي إذن من غير المحدد ما هو الكون في الحاضر والماضي‚ هكذا تنجح السوبر مستقبلية ايضا في تفسير لماذا من الممكن بحق وصف الكون بأوصاف عديدة رغم انها تناقض بعضها بعضا‚ فمثلا نتمكن من وصف الكون على انه متكون من صفات أو اشياء أو عمليات‚ لكن هذه الاوصاف تعارض وتناقض بعضها بعضا‚ فالكون يتكون اما من صفات واما من اشياء واما من عمليات رغم ذلك نجد اننا ننجح في وصفه بأوصاف متعارضة ومتناقضة‚ وهذا سببه انه من غير المحدد مما يتكون الكون‚ تفسر السوبر مستقبلية الحقيقة هذه من خلال قولها: من غير المحدد مما يتكون الكون لأنه يتخذ ماهياته الحقة في المستقبل فقط‚ هكذا تكتسب السوبر مستقبلية قدرتها التفسيرية ومن المنطلق نفسه ننجح في تحليل العقل على انه مجموعة وظائف أو مجموعة ميول للتصرف أو حالات فسيولوجية في الدماغ‚ لكن كل نظرية في العقل تحلله بطريقة مختلفة فالعقل هو اما وظائف واما ميول واما حالات فسيولوجية‚ اذن كيف من الممكن نجاح ان نحلل العقل من خلال اوصاف متناقضة فيما بينها‚ تجيب السوبر مستقبلية ان هذا ممكن لأن العقل يتكون ويتحدد في المستقبل فقط‚ فبما انه يتحدد في المستقبل فقط اذن من غير المحدد ما هو في الحاضر والماضي وبذلك ننجح في وصفه بأوصاف متعارضة‚ بالاضافة كذلك المعاني ايضا تتحدد في المستقبل لننظر الى الجملة العلمية «قط شرودنغر حي وميت في آن معا»‚ هذه جملة علمية تنتمي الى ميكانيكا الكم وبذلك لديها معنى لكن من المستحيل ان يكون معناها ان قط شرودنغر حي وميت في الآن ذاته والا اصبح الواقع متناقضا‚ لذا معناها سوف يكون محددا في المستقبل كونها لها معنى لكن معناها غير معروف الى حد الآن.
لقد رأينا كيف تستخدم السوبر مستقبلية في حل المشاكل الفلسفية كما اوضحت الجانب التفسيري منها‚ فما هو الوجه التحليلي للسوبر مستقبلية؟
- بالاضافة الى اهتمام السوبر مستقبلية بتفسير الظواهر وتقديم الحلول الفكرية‚ تعنى السوبر مستقبلية بتحليل المفاهيم‚ فمثلا تحلل مفهوم الحقيقة على النحو التالي: الحقيقة هي قرار علمي سيتخذ في المستقبل لهذا التعريف فضائله ومنها: أولا بما ان الحقيقة قرار علمي والعلم يعبر عن الواقع اذا الحقيقة تعبر عن الواقع‚ وبذلك هي حقا حقيقة‚ هكذا تتمكن السوبر مستقبلية من التعبير الصحيح عن الحقيقة‚ ثانيا إن الحقيقة قرار علمي يتخذه العلماء‚ إذن الحقيقة مرتبطة مفاهيميا بنا كبشر‚ وبذلك من الممكن معرفتها‚ هكذا تنجح السوبر مستقبلية في التعبير عن امكانية المعرفة‚ ثالثا: بما ان الحقيقة قرار علمي في المستقبل‚ والمستقبل لم يأت بعد‚ إذن لا بد من البحث المستمر عن الحقيقة مما يضمن استمرارية البحث المعرفي والعلمي‚ وضمان استمرارية البحث المعرفي فضيلة‚ هكذا تكتسب السوبر مستقبلية فضائلها‚ أما بالنسبة إلى الهوية مثلا فنجد أن السوبر مستقبلية لديها أيضا نظرتها الخاصة‚ في تحليل هذا المفهوم تقول السوبر مستقبلية أن الهوية اختيار حر‚ مدعوم بأدلة مقبولة‚ إذن يضمن هذا التحليل حرية الفرد في تحديد هويته وان يكون تحديده هذا عقلانيا وفي الآن ذاته يحافظ هذا التحليل على وجود الهوية بدلا من إلغائها.
ما أهمية ان تبحث في الفلسفة المحضة كالسوبر مستقبلية ونحن نعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية عديدة؟
- لأننا تخلينا عن الفلسفة ورفضنا العلوم والمنطق‚ أصبحنا خارج الحضارة والتاريخ‚ وان لم نشارك في تطوير العلم والفلسفة سنبقى عبيدا لأسيادها‚ فالسلاح الأقوى سلاح الحضارة والحضارة علم وفلسفة‚ إذا نظرنا الى أي مجتمع متطور علميا وفلسفيا سنجده متطورا أيضا اجتماعيا واقتصاديا‚ لذا حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية كامن في الانتاج العلمي والفكري‚ وإذا قلنا ان الحضارة قائمة على الأخلاق لا بد ان نضيف ان لا أخلاق من دون علم وفكر‚ هذا لأن العلم والفكر ينظمان العقل‚ وإذا ما نظم العقل نظم السلوك وبهذا نتمكن من امتلاك الحضارة وقيادتها‚ أما السوبر مستقبلية فمحاولة فلسفية وان فشلنا في هذا الميدان سنكتسب على الأقل شرف المحاولة‚ وكما بدأ كتاب السوبر مستقبلية نختم بالقول: يبدأ التاريخ في المستقبل فالإنسان كائن مستقبلي وعلى ضوء رؤيته للمستقبل يتصرف ويفكرا من هنا تكمن أهمية مفهوم المستقبل وضرورة إعادة وضعه في أعلى سلم القيم.



السوبر أصولية للكاتب حسن عجمي

"السوبر أصولية" كتاب للباحث حسن عجمي من منشورات " الدارالعربية للعلوم – ناشرون " في بيروت. وهو كتاب في حقيقة الأمر يبحث في فلسفة اللغة ونظرية المعنى وماقاله المتكلمون من المناطقة والفلاسفة والفقهاء والمتصوفة فيهما مثل : ابن سينا وابن رشد والفارابي والكندي والمعتزلة وإخوان الصفا وابن تيمية والإمام الشافعي والإمام الغزالي والزمخشري والسيوطي والشيرازي وأبوحيان التوحيدي وابن عربي والحلاج والمعري وغيرهم .... فيما يتعلق باستنباط المعني من اللفظ المفرد أو من وجوده في جملة مكتملة أو حسب سياق الحديث أوالخطاب أو الأخذ بظاهر اللفظ أو بالمعنى الثاوي في باطنه إذا جاء على هيئة مجاز أو استعارة . ومن عناوين الكتب الست السابقة له يتضح أن الباحث متخصص في هذا الحقل المعرفي (أي فلسفة اللغة) حيث له: معراج المعنى ، مرايا العقول – الشعر العلمي ، وحي اللغة – بيان اللامعنى ، مقام المعرفة –فلسفة العقل والمعني ، السوبر حداثة – علم الأفكار الممكنة ، السوبر مستقبلية- الكون والعقل واللغة.

الأصولية والسوبر أصولية

في المقدمة والمدخل اللذان أخذا بضعة صفحات معدودة، والخاتمة التي لم تتجاوز الصفحة الواحدة من كتاب يحتوي على مائتي صفحة، كشف المؤلف عما يستهدفه من تأليف هذا الكتاب و الذي يعد البحث اللغوي وسيلة للبرهنة علي صحة مستهدفه وهو ضرورة تجاوز الأصولية الى مابعد أو مافوق الأصولية. هذا التجاوز الذي أسماه : " السوبر أصولية" رغم أن كلمة "سوبر " لاتمت للغة العربية بصلة .
لم يحدد المؤلف ابتداء ماذا يعنيه بالأصولية الذي يريد لنا الانتقال منها الى " السوبر أصولية ". حيث يوجد في الاستعمال اللغوي للفظ الأصولية ثلاثة مدلولات مختلفة علي النحو التالي وجميعها له علاقة بالدين على النحو اللآتي:
الأصولية كعلم مجرد : هي الحفر التاريخي بحثا عن جذور الفكر أوالثقافة أو المعرفة بمافي ذلك المعرفة الدينية على نحو ما انتهجه الفيلسوف الفرنسي المعاصر "ميشيل فوكو" وتبعه فيه المفكر المغربي محمد عابد الجابري وآخرون. فهذا المنهج يعد منهجا أصوليا علميا. وان استعمل في البحث الديني كان المبحث الديني أصوليا بهذا المعني.
الأصولية كعلم ديني اسلامي : هي العلم الذي يبحث في أصول الدين ومقاصد الشريعة وبحيث يعتبر كل مقاصدي أصولي ويعد أيضا كل من أول النص علي النحو الذي يتوافق معه مع مقاصد الشريعة وغاياتها وروحها أصولي.
الأصولية علي النحو الشائع حاليا : اذ باتت تستعمل علي غير دلالتها اللفظيى أو العلمية أو الاسلامية وانما كترجمة لكلمة "أرثوذكسية" ومعناها لدي الكاثوليك والبروستانت في الدول الغربية بحمولتها السلبية لديهم الناتجة عن الخلاف الديني مع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والتي يتهمونها بالانغلاق الفكرى والتمسك بظاهر النص دون تأويله بما يتوافق مع حاجة الناس والعصر، أو بمعنى آخر عدم المرونة في تأويل النص المقدس وإنكار تاريخانيته والامتناع عن تغليب العقل علي النقل في التعامل معه. وفي الحرب الصليبية الأمريكية التي اتخذت لها عنوان :" الحرب علي الإرهاب" اعتبرت الولايات المتحدة ومن يناصرونها أن مصدر الإرهاب الإسلامي الذي ضربها في نيروبي ودار السلام ونيويورك وميناء عدن هو التيار السلفي لدى المسلمين السنة الذي يعتنقه أسامة بن لادن ومن يتبعه في تنظيم القاعدة فاعتبرت هذا التيار السلفي "أرثوذكسيا" وترجمة الكلمة من تراجمة عرب لا يفهمون مدلول المصطلح في الاسلام. ثم اعتبر كل معاد للولايات المتحدة أو معارض للأنظمة الحاكمة الدائرة في فلكها، وإن التزم السلم في معارضته، أصوليا ومتطرفا. واستمر التوسع في معني لفظ الأصولية المتداول لكي يعتبر كل من يقاوم الاحتلال الأمريكي أو الإسرائيلي أو يدعم المقاومة ولو باللفظ وليس بالمال أو السلاح أو المشاركة فيها أصوليا وارهابيا أو داعما للارهاب. وانساق خلف التصنيفات الغربية كتاب عرب ومسلمون من المتغربين، وسياسيون وأمنيون في بعض الدول الإسلامية ، سلموا بما يقوله الغرب تسليما، دون علم أو روية أو تمحيص .
وكما لم يوضح الباحث أي مدلول لديه لمفهوم الأصولية، بل يبدو من سياق بحثه أنه يعتبر كل ماهو كائن من فكر أو مذاهب دينية يعتبر من قبيل الأصولية المطلوب تجاوزها. فإنه وإن وضع كتابه وسخر كل مادته العلمية لخدمة ما يدعو إليه وكبرهان على صحته ومصداقيته فإنه لم يحسن عرض هذه السوبر أصولية في مقدمات كتابه حيث بدت فكرة مازالت مشوشة في ذهن الباحث نفسه. وإذ نجده يصفها بأنها مذهب لايوضح لنا أين ظهر هذا المذهب وماهيته ومن نظره أو اتبعه أم أنه مذهب من إبداعه يدعونا لاتباعه. وهل تكفي البرهنة علي ضرورة الحاجة إليه أو وصفه بأنه تجاوز للأصولية لعدم تبيان كيفية تحقيقه؟ . أنه يقول لنا بأن السوبر أصولية هي التي تخبرنا بأن الدين سيتحقق في المستقبل. ولكنه يتدارك – منعا لسوء الظن به – فيقو ل بأنه اذا كان "جرى التقليد أن ينقسم الناس بين مؤمن بوجود الله وكافر به .لكن ليس بالضرورة أن نخير بين هذين الاختيارين . فبالنسبة للسوبر أصولية لابد من اتخاذ الموقف التالي جديا ةالقبول به : الإيمان بأنه من الممكن منطقيا أن الله موجود والايمان بأنه ممكن فيزيائيا وعلميا بأن الله موجود.من الممكن منطقيا أن الله موجود لآنه لايوجد تناقض في فكرة أن الله موجود، وسنرى أنه من الممكن فيزيائيا وعلميا أن الله موجود لأن قوانين الطبيعة لاتنفي وجوده." وبعد أن خصص فصلا للصراع المفترض بين العلم والدين انتهى فيه الى القول : " تعتبر الأصولية أن العلم برهن على صدق الدين بينما يقول المذهب المناقض للأصولية إن العلم يبرهن على كذب الدين . أما السوبر أصولية فتؤكد على أن العلم لايبرهن على كذب الدين والعكس صحيحلأن مفاهيم العلم تختلف جذريا عن مفاهيم الدين . على هذا الأساس تمضي السوبر أصولية قائلة إن كحلا من العلم والدين مقبول لكونه صادقا في بعض العوالم الممكنة .فالعلم صادق في بعض الأكوان الممكنة والدين صادق في أكوان ممكنة أخرى .وبذلك نتجنب تناقضهما".
والباحث يصف السوبرأصولية بأنها منهج بحثي أيضا فيقول :" وبماأنه من غير المحدد من هو المسلم وماهو الاسلام ، من المتوقع وجود فرق ومذاهب اسلامية مختلفة ومتصارعة تشرع شرائع مختلفة ومناقضة لشرائع ومبادئ وأفكارا لفرق والمذاهب الاسلامية الأخرى. هكذا تتمكن السوبر أصوليةالاسلامية من تفسير نشوء الاختلاف والصراع في الاسلام.(...)هكذا تنجح السوبر أصولية الاسلامية في تفسير ظهور الاتجاهات المختلفة في الاسلام ، تلك الاتجاهات التي مازالت تحيا في عصرنا."

وحدة العقيدة الدينية

يمكن للمرء أن يستنتج مما جاء في مقدمة الكتاب أن فكرة "السوبر أصولية " تنطلق من فرضية أن الدين – أي دين – يجب أن يكون دينا واحدا غير قابلا للتجزئة أو الانقسام. إلا أننا نجد أن الدين الإسلامي كثرت فيه المذاهب والفرق والشيع، وأن نفس الشيء حدث بالنسبة للديانتين السابقتين عليه وهما اليهودية والمسيحية. ولما كانت وحدة الدين لم تتحقق في الماضي وغير متحققة في الحاضر فإنها لن تتحقق إلا في المستقبل. وأن هذه الحقيقة هي التي تجعل المسلمين ينتظرون المهدي واليهود والنصاري ينتظرون المسيح (الشائع لدى المسلمين أنهم ينتظرون الاثنين معا: المهدي والمسيح وأنهما سيظهران في زمن واحد). وفي خاتمة الكتاب نجد أن الباحث لا يطلب منا أن ننتظر مع المنتظرين وإن لم يتضح ذلك في مقدمته. حيث يقول في الخاتمة : "من أهم فضائل السوبر أصولية أنها تنجح في تفسير لماذا البحث المعرفي هو عملية تصحيح مستمرة (...) إذن البحث المعرفي عملية مستمرة لاتنتهي. وبذلك يحدث تضارب بين المعارف مما يستدعي تصحيحها بشكل مستمر. هكذا تفسر السوبر أصولية لماذا البحث المعرفي هو عملية تصحيح مستمرة، ولماذا تتضارب المعارف عبر التاريخ وتبقي المعرفة ممكنة". وهو مايمكن أن نستنتج منه أن هذه السوبر أصولية هي مواصلة البحث مستقبلا في المعرفة لتصحيحها ونفي التضارب الذي شابها عبر التاريخ بغرض التوصل إلى معرفة واحدة لايختلف عليها أحد. كما يمكن أن نفهم أيضا من النص السابق ومما جاء صريحا – إلى حد ما – في المقدمة أن الباحث يطالبنا بعدم الوقوف عند ما انتهى إليه التراث من معارف متضاربة ومتناقضة، والانحياز فيها إلى مذهب من المذاهب الكلامية أو الدينية وإنما يجب أن نستمر في البحث حتى نتوصل إلى المعرفة الواحدة اليقينية التي تحل محل المعارف المتضاربة وتعيد إلي الدين وحدته التي لم تتحقق في الماضي ،ولم تتحقق بعد في الحاضر ، ولكنها يمكن أن تتحقق في المستقبل إذا ما سعينا وواصلنا السعي على درب المعرفة ولم نتوقف عند ماتركه الأقدمون لنا من تراث.

الموقف من التراث

ولذا نجده يبدأ مقدمته بقوله : " نحن من نصنع التراث. فالتراث غير موجود بشكل مستقل عنا بل يعتمد على وجودنا، ولذا لايخلقنا، بل نحن نخلقه باستمرار من خلال دراسته. بكلام آخر، التراث غير موجود بل نحن من نقرر وجوده وكيفية وجوده أو عدم وجوده وهذا يفسر لماذا الشعوب المتخلفة لديها تراث متخلف، أما الشعوب المتقدمة فلديها تراث متقدم. فبما أننا نحن الذين نخلق التراث، إذن سنخلق تراثا يشبهنا..."
لقد ترددت كثيرا في عرض هذا الكتاب خشية أن يضل الكتاب القارئ العادي الذى لم يعتد التعامل مع لغة المناطقة والفلاسفة ولأن ماكتبه الباحث يحتاج إلى شرح يوضح حقيقة مقصده من ناحية ولأن الباحث نفسه لم يكن بعيدا عن السقوط في مصايد الاستشراق .
بالنسبة للنص السابق يريد الكاتب القول إن وجود التراث المكتوب في المطبوعات والمخطوطات هو عدم ولايتحول المطبوع إلى وجود حي إلا عندما نعكف على قراءته وتدارسه. ونحن عندما نحيي التراث نكرس مايتضمنه من أسباب الفرقة والاختلاف، أي نكرس تخلفنا. وأن التراث الحقيقي الواجب الاحتفاء به هو التراث الذي يجمع شملنا ويوحد جهودنا ويحقق تقدمنا، ولأنه غير موجود في الماضي مماتركه الأقدمون فاننا يجب أن نصنعه نحن، لأن ما سنبدعه هو الذي سيتحول إلى تراث لمن يأتي منه بعدنا. إنها في الواقع دعوة للكف عن النقل والتحول منه إلى تراث يبدعه العقل ويلبي احتياجات مجتمعاتنا في توافق مع تحديات العصر. وهويرىأيضا أن في التراث من تناقض في الروايات مايتوجب الشك في صدقيتهاويضرب في ذلك بضعة أمثلة معتبرا أن" شكنا بجزء موثق من التراث يستدعي شكنا بالتراث كله". وبماأنه"من غير المحدد ماهو التراث ، من المتوقع اذا وجود الاختلاف والصراع الفكري الحاد بين تيارات فكريةتراثية عدة كما من المتوقع وجود الالتباس بهوية من هذا أم ذاك .هكذا تنجح السوبر حداثة اسلامية في تفسير تنوع واختلاف التراث وغموضه ."
إذن الأصولية عنده هي التمسك بالتراث على ما هو عليه وعدم الانطلاق منه لخلق تراث آخر يحقق وحدة الدين المنشودة. وهذا التجاوز هو السوبر أصولية. الاأن موقفه من الدين والتراث ونفي وجودهما في الماضي والحاضر والقول بأنهما سيتحققان في المستقبل حسب تلك السوبرأصولية ، قام الباحث بمده الى الأخلاق أيضا .فاعتبر أن الأخلاق بدورها ستحقق في المستقبل ، مبررا ذلك بالقول : بما أن الأخلاق مألة اختيار حر ، وكل يختار على هواه وعقيدته ، اذا من المتوقع اختلاف الأخلاق وتغيرها . وهذا أيضا يضمن تطور الأخلاق ، فبما أن الأخلاق قائمة في المستقبل مما يضمن أنها غير محددة في الحاضر والماضي، اذا لابد علينا أن نسعى جاهدين لتحقيقها في المستقبل من خلال تغيير مهو مشكوك بأخلاقيته وتطوير مانعتبره الآن أخلاقيا".

فلسفة اللغة ونظرية المعنى

ولكن لماذا البحث في فلسفة اللغة ونظرية المعنى للبرهنة على ضرورة السوبر أصولية؟ تحت عنوان خلاصة في آخر الكتاب، يوضح الباحث ذلك بالقول: "لقد رأينا على مر الفترات السابقة أن فلسفة اللغة هي العامل الأساسي في تحديد الآراء والمواقف المختلفة في علم الكلام والتفسير الديني والفلسفي. لا يصدق هذا على الإسلام فقط، بل يصدق هذا على الأديان كافة. فمع اختلاف مواقفنا في اللغة والمعنى، تختلف مواقفنا الدينية والفلسفية. وبذلك أي مذهب أو موقف في علم الكلام أو في التفسير الديني يعبر عن فلسفة اللغة ولا يعبر حقا عن الدين أو الإسلام تحديدا. من هنا لانستطيع أن نعرف ما هو المذهب الذي يعبر تعبيرا صحيحا عن الإسلام. أي لا نعرف، ومن غير الممكن أن نعرف، أي مذهب هو المذهب الإسلامي الصحيح. وبما أن طل مذهب في علم الكلام والتفسير الديني يعبر عن فلسفة اللغة ولا يعبر عن الإسلام، إذن لا يوجد مذهب إسلامي أو فكري هو المذهب الصحيح في الإسلام، وبذلك المذاهب كافة مقبولة ومتساوية، أي من غير المحدد ما هو الإسلام، وبذلك يتشكل الإسلام في المستقبل".

اسلام المستقبل

ولكن كيف يتشكل الإسلام في المستقبل؟ هل بتوحيد المذاهب بتحديد المشترك فيها وإيجاد حلول لما هو مختلف فيها؟ . أم نبذها جميعها والعودة الي الكتاب والسنة دون التوسل في معرفتهما بعلم الكلام وفلسفة اللغة ونظرية المعنىباعتبارهما كانتا سببا في الفرقة واخلاف؟ .. لم يحدد المؤلف أى منهج يجب اتباعه صراحة ولاضمنامثلما لم يحدد لنا في حقيقة الأمر ماهي السوبر الاصولية وإن حاول أن يبين لنا أهميتها وضرورتها متوسلا الى ذلك بعلم المنطق. الاأن ذلك لايمنع من أن نستنتج من أقواله أنه يطالبنا بتجاوز المواقف السلفية التي تحجب العقل وتشل فاعليته باعلائها من شأن النقل الى موقف ننطلق منه في البحث الديني دون التقيد بماجاء في التراث الاسلامي مما انشغلت به المذاهب وتسبب في ظهور الخلافات بينها والتأثير على وحدة الدين.
ولكننا سنلاحظ هنا أن تعدد وجهات النظر فيما يدخل ضمن فلسفة اللغة ونظرية المعنى ليس السبب الوحيد في ظهور المذاهب لدى أهل السنة والشيعة ابل لعل الاختلاف اللغوي اصطنع لتعزيز الخلافات المذهبية وايجاد مبررات لها.هذا مع ماظهر من تأثر واضح بدعاوي المستشرقين مثل تاريخية الدين أو اعتبارالدين هو المتمثل في الواقع المعاش وليس المسطر في مصادره الأصلية (الكتاب والسنة)وقوله : " أظهرت بعض الدراسات الحديثة وجود أعداد مختلفة من القرآن ، لكن اذا كان القرآن موحيا فلابد من قرآن واحد ، وهذا بالنسبة لباقي الأديان حيث لابد من وجود مثلا انجيل واحد...." اذ أن المسلمين منذ14قرنا يجتمعون على قرآن واحد ولايوجد متداولا بينهم سواه ، وهو المعروف بمصحف عثمان الذى أجمع عليه الصحابة الذين أنيط بهم جمع القرآن في زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان ، وأي حديث عن فرآن آخر يثار هذه الأيام يعد من لغو الكلام ، اذ أن مايشيرون اليه من كلآم لم يدرج في المصحف لعدم اتفاق الصحابة عليه لايمكن اتخاذه ذريعة للتشكيك في كتاب تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه . واذا كان كل مافي المصحف الشريف موحا به فليس كل ماينسب الى الوحي هو بالضرورة قرآنا حتى لوصدق مانسب الى بعض الصحابة في هذا الشأن ولم يكن مختلقا فلعله اختلطت الآمور عليهم كبشر غير منزهين عن الخطأ. خاصة أن ماذكر من أقوال لايتفق مع لغة القرآن وليس فيه من إعجازها شيء. وهذه الأقوال المنبوذه لم تدرج في أي مصحف يتداوله المسلمون حتى يستقيم الادعاء بوجود أكثر من مصحف.

نظرية المعنى ومتاهات المنطق

يوضح الباحث أن الأخذ بأي من نظريات المعني لايقود بالضرورة الي الحقيقة وأنه "غير محدد أي نظرية في المعنى هي الصادقة. وبذلك من غير المحدد ماهو الصادق من النتائج التي تترتب عن نظرية المعنى . فمثلا رأينا سابقا أن نظرية المعني هي التي تحدد ما اذا كان التفسير الظاهري أم الباطني للدين هو الصحيح . لكن بماأنه من غير المحدد ماهيالنظرية الصادقة في المعنى ، اذا من غير المحدد اذا كان التفسير الظاهري أم الباطني للدين هو الصحيح. مثال على ذلك هو التالي: بالنسبة لابن سينا، المعنى هو ماتدركه النفس . وبذلك معنى هذه الآية القرآنية أو تلك هو ماندركه منها. ونحن ندرك من الآية : " الله نور السموات والأرض" أن كل ممكن وكل ذرة منورة موجودة بنور الله . من هنا فسر ابن سينا الآية السابقة على أنها تعني كل ممكن من الممكنات الموجودة، وكل ذرة من الذرات الموجودة منورة موجودة بنور وجوده تعالي(..) هنا يفسر ابن سينا الآية السابقة تفسيرا باطنيا معتمدا على مذهبه في المعنى. وبذلك تفسيره يعبر عن نظريته في المعنى بدلا أن يعبر عن تلك الآية.
أما بالنسبة لابن تيمية فان السياق ، سياق القرآن والسنة ، هو الذي يحدد معاني الآيات. من هنا يفسر ابن تيمية الآية القرآنية السابقة من خلال بعض أحاديث الرسول . هكذا يفسر تلك الآية على أن الله هو النور الفعلي للسموات والآرض معتمدا على حديث الرسول :" اللهم لك الحمد ، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن" . نجد هنا أن ابن تيمية يفسر تلك الآية ظاهريا معتمدا على مذهبه في المعنى . فلوأنه اعتمد على نظرية أخرى في المعنى لتوصل الى تفسير آخر . علي هذا الاساس : تفسيره يعبر عن مذهبه في المعنى بدلا عن أن يعبر عن تلك الآية. بالاضافة الى ذلك ، لقد رأينا في الفصول السابقة ، أن المذهب الذري (الى يعتمد علي معاني الألفاظ المفردة) كما لدى ابن سينا يصل بنا الى قبول التفسير الباطني للدين . أما المذهب الكلي (الذي يأخذ المعنى من الجملة ) كما لدي ابن تيمية فيصل بنا الى قبول التفسير الظاهري للدين . لكن من غير المحدد ما اذا كان المذهب الذري أم المذهب الكلي هو المذهب الصحيح ، وبذلك من غير المحدد مااذا كان التفسير الباطني أم التفسير الظاهري هو الصحيح."ويستطرد الباحث بعد ذلك لاثبات ماسبق بقوله : " لنتأمل الجملة : هذا الولد جميل . اذا استبدلنا كلمة : جميل بكلمة : قبيح نحصل لدينا جملة : هذا الولد قبيح ، معناها مختلف عن معنى الجملة الأولى . من هنا استبدالنا لكلمة : جميل بكلمة : قبيح أدى الي تغيير المعنى. وبذلك معنى الجملة يعتمد على معاني الألفاظ المفردة . هذا هو المذهب الذري في المعنى.من الواضح أن هذه حجة على أن المذهب الذري هو المذهب الصحيح. لكن دعنا نتأمل الجملتين التاليتين :1) "المعرفة هي اتباع واستنباط" و2) "المعرفة هي اعتقاد صادق مبرهن عليه". معنى الجملة الأولى مختلف عن معنى الجملة الثانية؛ فالجملة الأولى تعرف المعرفة على أنها اعتقاد صادق مبرهن عليه. لكن اختلاف معنى الجملى الأولى عن معهنى الجملة الثانية أدى إلى اختلاف معنى اللفظ المفرد ألا وهو لفظ "المعرفة". بذلك الجملة هي التي تحدد معاني ألفاظها المفردة، أو السياق هو الذي يحدد المعاني. هذه حجة على أن المذهب الكلي في المعنى هو المذهب الصحيح. لقد وجدنا أن لدينا حجة قوية على أن المذهب الذري هو الصحيح، كما وجدنا أن لدينا حجة قوية على أن المذهب الكلي هو الصحيح. لكن المذهب الذري يناقض المذهب الكلي، وبذلك من المستحيل أن يكون المذهب الذري والمذهب الكلي صادقين معا. إذا من غير المحدد ما إذا كان المذهب الذري أم المذهب الكلي هو المذهب الصحيح."
ضرب بعد ذلك الباحث أمثلة مماثلة وانتهي من عرضها الي القول :" لقد وجدنا أن لدينا حجة جيدة للقول بأن المذهب الذري خطأ كما أن لدينا حجة جيدة للقول بأن المذهب الكلي خطأ . لكن من الستحيل أن يكون كل من المذهب الذرى والمذهب الكلي خطأ بما أنه اما المذهب الذري واما نقيضه –أي المذهب الكلي- خطأ . من هنا غير المحدد ما اذا كان المذهب الذري أم المذهب الكلي هو المذهب الخطأ ، أي من غير المحدد أن منهما المذهب الصحيح."
في الحقيقة فان الخروج من هذه المتاهة عمليا هو عدم اعتبار أن هذا المذهب أذا ماتم الأخذ به مناقض للمذهب الاخر وانما مكمل له أو يمثل خيارا آخر أمام الباحث علي المعني للوصول الي المعني الآرجح للنص المتفق مع استعمالات القرآن والعرب للغة وللسياق الوارد فيه اللفظ أو الجملة. وهذا يتطلب عدم الانحياز لمذهب على حساب آخر وانما اعتبار كل منهما خياران متاحان يتم الآخذ بأحدهما حسب مايقتضيه النص ، بل من الممكن استخدامهما معا للتوصل الى معنيين غير متناقضين يثريان النص ويوسعان مجال استعماله والاستفادةمنه. بل يمكن التعامل مع النصوص بحرية وبلوغ نتائج أفضل دون حاجة للالمام بهذه المذاهب الكلامية أو التقيد بها . وعلى سبيل المثال بالنسبة للقرآن فان معظم السور المدنية قد يكفي فيها التفسير الظاهري خاصة أذا كانت تتناول آياتها أحكاما شرعية ، أما مايسمى بالتفسير الباطني الذي يفترض أن اللفظ ورد على سبيل المجاز فان ذلك قد يكون مجاله السور المكية . عندما يقول المسلمون أن الكتب المقدسة السابقة بشرت بظهور النبي صلي الله عليه وسلم فانهم يستشهدون بآيات من التوراة جاءت في صيغ مجازية ، فان ذلك يتطلب الاعتقاد بامكانية ورود آيات في القرآن الكريم لايكشف المعني الظاهر للفظ حقيقة المراد منه مالم يتم اعتباره جاء على سبيل المجاز أو الاستعارة. ويعتبر استبعاد ذلك لامبرر له. بل أن اللجوءلهذا الضرب الأخير من التفسير قد يفتح مجالا أكثر اتساعا للمعرفة. مثال علي ذلك تلك الآية في التوراة التي يستشهد بها كمبشرة بظهور الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تقول بأن" الشمس تشرق من جبال حران وتصعدفي جبال ساعير"بأنها ترمز الي ظهور المسيح يليه ظهور النبي محمد. فصعود الشمس اشارة وقت الضحى ، وبناء على ذلك فانه يمكن تفسير : " والضحى والليل اذا سجى ..." بأنها ليست قسم من الله بوقت الضحى وانما هي بمثابة مناجاة من المولى سبحانه لرسوله وأنه استخدم لفظ :"الضحى" كبديل عن لفظ :" محمد " وأن "والضحى" معناها :" يامحمد" وأن المقصود من والليل اذا سجي غير مقصود به الليل في حد ذاته وانما هموم الرسول التي شبهت بالليل الساجي ويتواصل بعد ذلك الخظاب الموجهة للنبي . بهذا التفسير يمكن أن نفهم لم استنت صلاة الضحى ولم تتم صلاة العيدين في وقت الضحى . وسواء أخذ في هذه الحالة بالتفسير الظاهري القائل بأن الله يقسم بالضحى أم بهذا التفسير الاخير، الذى يحسب ضمن الباطني ، فان أى منهما لايضر بعقيدة المسلم الأخذ به . وفي حالة المفاضلة بينهما سنجد أن القول بأن "الضحى " ترمز في السورة للنبى محمد ، يضيف الينا معرفة اضافية لايتيحها التفسير الظاهري.

خاتمة

لقد افترضت حسن النية لدى الباحث واعتبرت أن الباعث على بحثه هو الغيرة على الدين والحرص على وحدته أو التطلع الى تحقيق وحدة العقيدة لدى المسلمين ، على الرغم من أن لفظي الوحدة والتوحيد لم يردا فيما كتب. ووحدة العقيدة أمرنا بها الله سبحانه وتعالي في قوله : " واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا" ، ومايروجه البعض من مقولة أن "في اختلاف المسلمين رحمة"، يثبت التاريخ أن في اختلافهم نقمة عليهم ، وان اختلاف المسلمين كثيرا ماساقهم الي سفك دماء بعضهم البعض . بل ان مايحدث فى العراق حاليا بين مسلمي الشيعة والسنة من مذابح بسبب اختلافهما المذهبي لدليل حاضر وشاهد على ذلك.
إن المفكرين المسلمين من الأحرار المستنيرين يتوقون لأن يروا دين الاسلام موحدا لاينقسم أهله علي مذاهب تشببتهم ولايتمسكون بتراث يثير في صفوفهم الخلاف والشقاق . انهم يفهمون التوحيد بأنه ليس توحيد الله فقط وانما توحيد دينه الذى قال عنه الله سبحانه وتعالي : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" وأن أمة محمد يجب أن تتحد خلف امام واحد هو نبيها صلى الله عليه وسلم لاتستبدله بأحد من الأحياء أو الأموات ولابحاضر أوغائب تتعلق بوهم عودته. فمن غادر هذا العالم تقضي سنة الله في خلقه استحالة عودته اليه مرة أخرى.
نعلم أن هذا التوق المشروع صعب التحقيق ولكنه يستحق العمل من أجله ، واذا صدق ظننا في صاحب مبحث "السوبر أصولية" من أنه يسير على هذا الدرب سواء استقام سيره عليه أم تعثر فانه يظل خطوات لابأس بها للتوصل الى تحقيق دين موحاد وأمة واحدة.
لايمنع ماسبق أن الكتاب مفيد للمهتمين بنظرية المعني والابحاث اللغوية في شأنها ، وكل مايتطلبه الأمر أن يكون لدى القارئ حصانة ضد انزلاقات المناطقة أو غموض منطقهم أحيانا والتباسه.

فوزي منصور
كاتب مصري مقيم بالمغرب


الرابط : http://fawzy37.jeeran.com/archive/2007/2/157365.html